متابعة الشأن الحقوقي والسياسي

كلّكم خونة وأولكم ساكن قرطاج…

الثورة التونسية أو المعجزة التي تمنى أعداؤها نهايتها بالقدر الذي تمنوا به ألا يزول ملك وليّ أمرهم .

عندما وصف فيكتور هيغو الثورة الفرنسية بأنها ” أعظم إنجاز تاريخي منذ ميلاد المسيح ” فهو يقصد تأثيرها وإمتدادها العالمي وما إنبثق عنها من تغيرات سياسية وإجتماعية على المستوى العالمي ونحن نقول أن الثورة التونسية لم تكن فقط أعظم إنجاز تاريخي منذ ميلاد المسيح، بل (وبمنطق فيكتور هيغو )أعظم إنجاز تاريخي منذ طوفان نوح ، لأن الثورة الفرنسية حاربت النظام الملكي والإقطاع في فرنسا فقط بينما ثورة تونس حاربت أعداء الحرية والعيش الكريم من أقزام السياسة في تونس وميليشيات حزب التجمع الدستوري ، هي ثورة تآمر عليها “ملك ملوك إفريقيا” القذافي شرقا والنظام العسكري الجزائري وخبثه غربا ، وأليو ماري وزيرة دفاع فرنسا شمالا (عندا قالتها بكل وقاحة في البرلمان يجب الوقوف مع الدكتاتور بن علي ) وكل من رأى في الحرية خرابا وشرا لا بد من محاربته.

14 جانفي 2023 هي الذكرى الثانية عشرة للثورة المعجزة والتي وُلدت من رحم الفراغ والمستحيل، ثورة بلا زعيم لأن كل من شارك فيها كان قائدا وبطلا ، .ثورة لم يكن لها خطيب ولا زعيم ، لا مركز ولا أطراف بل هي عفوية ، شعبية ، بريئة من كل الحسابات السياسية الدنيئة لكن كان لها هدف واحد ، ألا وهو”الحرية” ، هذه القيمة التي ربّما لم يكن الشهداء والجرحى ببلاغة المتكلمين عن النظام القمعي للتعبير عنها لكن كانت لهم بلاغة المواقف التي لا يفرزها الشعب إلا أيام قليلة كل مائة سنة .

الثورة التي حررت أكثر من 6000 شخص ،من جميع الأحزاب والتيارات والنقابات والمعارضين الذين كانوا يقبعون في سجون المخلوع بن علي، لا تستحق كل هذا الإنكار والجحود .

لكن الوقاحة بلغت حدّا أن تصبح الخيانة وجهة نظر عند السياسيين الماكفيليين الذين لا مبدأ لهم .

بدأت الخيانة عندما خانت الأحزاب (التي كنا نظن أنها ثورية) ثقة الناخب ذات إنتخابات أكتوبر 2011، فلا محاسبة حقيقية وقعت ولا إصلاح مؤسساتي للقضاء ولا تمرير قانون سحب إختصاص تقديم المدنيين أمام المحاكم العسكرية ولا قانون تحصين الثورة ولا ،ولا ، ولا ………………..

إكتملت فصول الخيانة عند إنتخابات 2014 وبدأت أقذر فترة سياسية في تونس مابعد الثورة (بشهادة عضو مؤسس في حزب نداء تونس لزهر العكرمي) ،فترة نهب الدولة من قبل حزب نداء تونس يقودهم إبن رئيس الجمهورية حافظ قايد السبسي يشاركه في ذلك كل أعداء الثورة شعارهم في ذلك الإنتقام من كل ماجاءت به الثورة.

الغريب في هذه الفئة من السياسيين أنهم لا يملّون من الحسابات السياسية ولا يستحون من تضحيات الشهداء ولا من آلالام الجرحى بل يجدون الحجج الكاذبة والمناورات الرخيصة لإقناع البسطاء أن “التوافق مع من قامت عليهم الثورة في مصلحة الثورة.

إكتمل طعن وغدر الثورة مع 25 جويلية 2021 ، فمن كان يظن يوما أن قيس سعيد من دعمه كل تونسي يحلم بتحقيق أهداف الثورة والقطع مع الفساد والممارسات السياسية ، من كان يظن أن يحلّ حكومة منتخبة والتي زكّها بنفسه ثم عيّن مكانها موظفين يهينهم، حينما تهوي شعبيته . وأن يحلّ البرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية، ونصّب مكانه برلمانيين مهجنيين أغلبهم منتحلي صفة أو يتسترون تحت حصانة البرلمان مخافة محاسبتهم .

من كان يظن أن يحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ويعزل عشرات القضاة الشرفاء والذين كانوا من “الحالمين ” عند انتخابه رئيسا بغد أفضل لتونس وبثورة تحقق أهدافها ثم أعدّ لهم محاكمات صورية، بتهم الفساد للنيْل من سمعتهم، بل واعتقل اثنين منهم، وزجّهما في السجن لترهيب الصامدين منهم.

من كان يظن أن يلغي دستور الثورة والذي كان يعتبر نموذجا في المنطقة العربية وكتب دستورا فاشيا أعاد تونس إلى سنوات أسوأ من التي كانت عليها تحت حكم المخلوع بن علي.

من كان يظن أن تعود المداهمات الليلية لاعتقال معارضي الكلمة والرأي ، ويخترع لهم التهم بدون أدلّة أو حجج، هاجسه الوحيد هو الانتقام منهم، لأنهم لم يصمتوا وهم يرونه يقود البلاد نحو المجهول، ليعلّق فشله الذريع عليهم، فهو منذ إنقلابه يَعِدُ الشعب بمحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة. والواقع أن البلاد تخسر كل يوم أكثر مما كانت تخسره في “زمن الفساد” الذي يدّعي محاربته.

وبما أن الديكتاتور الجديد لا يحبّ أن يأوّل خطاباته أحد ولا أن ينتقده أحد أدار منصات الصواريخ التي “هدد” بها إلى الإعلاميين والصحفيين ،فتتالت الوقفات الاحتجاجية لتنديد ورفض إيقاف وسجن الصحفيين وإبتذل المشهد السمعي البصري الخاص والعام وأصبح معركة النقابة هي الدفاع عن الأصوات الحرة المسجونة ظلما وبهتانا بدل الرقيّ بالإعلام .

الجماهيرية الجديدة بدأت تلوح في الأفق بكل شعاراتها وفشلها وخيانتها خاصة أن الزعيم الجديد يمجد الثورة التونسية ثم يذهب ليضع يده في يد بشار الأسد عدو الحرية والثورة السورية والمصنف كمجرم حرب ، من كان يظن أن يضع قيس سعيد يده في يد دكتاتور مصر الجديد عبد الفتاح السيسي عدو ثورة 25 يناير المصرية .؟

من كان يظن أن يلغي قيس سعيد عيد الثورة يوم 14 جانفي ، فقط لأنه “رأى” ذلك بمفرده ، ف 14 جانفي في شرع الثورات والسياسة ليس ملك التونسيين بل هو ملك كل حر في هذا العالم فرح وإستعاد ثقته في إرادته وقدرته على التغيير نحو الافضل ومرور هذا الالغاء من جهة هو هزيمة لكل الأوفياء ومن جهة أخرى هو نكران لكل التضحيات.

مادمتم لم تستحوا بهكذا قرار وضربتهم عرض الحائط بشعور التونسيين وخاصة عائلات الشهداء وامهاتهم فكلكم خونة وأولكم ساكن قرطاج ولا إحترام لكم أمام تضحيات أكثر من 360 شهيد و4000 جريح .

لا ولن تكونوا من يؤول أهداف الثورة ولا من يخطط مستقبلها حتى ولو كنتم في الحكم ،عائلة الشهيد هي التي تنفرد بمعنى أهداف الثورة ولماذا ضحّى فلذات أكبادها ، (وأستثني هنا عدد قليل من العائلات التي لاتفقه في السياسة ولا في القانون أو لإعتبارات أخرى يطول شرحها) فأخي أنيس الفرحاني على الأقل، سيلعن من تركهم خلفه إن هم صمتوا وإستكانوا أمام مهزلة التطبيع مع بشار أو مع السيسي او مع غيرهم من المجرمين .

نحن نعيش مهزلة ومسرحية مبتذلة يسعى أصحابها إلى ربح الوقت وتحقيق أهدافهم الشخصية فبرغم معارضتنا للأغلب الاحزاب السياسية التي كانت تعجّ بالإختراقات والخيانات إلا أن ماأحدثه قيس سعيّد جريمة في حق الثورة قبل أي توصيف آخر .

الإنقلاب في معيار عائلة شهيد ليس أبيض أو أسود أو دستوري أو عسكري أوسياسي بل نقيّم الإنقلاب بالصدق أو الكذب وقيس سعيد كذب على أصحاب المشروعية وعلى من لايزالون أوفياء .

من ينتظر الفرصة لكي ينقض على الحكم ويعيدنا بهائم إلى حضيرة سيده فهو واهم والانتخاب لم ولن يشفع في الانقلاب فقد إنتهت الشرعية عندما إنتهى الصدق والنية الصالحة لاتشفع في العمل الفاسد .

كلماتي موجهة إلى عائلات الشهداء قبل غيرهم فدماء أبنائنا والثورة التونسية تحضر علينا أن نكون مثل صبايحية بورقيبة الذين إشتراهم برخصة مقهى أو هنشير وأثّث بهم إجتماعاته ولن نكون كبعض “المقاومين” أو عائلاتهم الذين تصدروا صور عيد الشهداء في 9 أفريل مع المخلوع ، نحن نقول للمحسن أحسنت وللمسيئ أسأت وللمنقلب إرحل .

يتبع

سفيان الفرحاني (كاتب صحفي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى